السؤال
أعمل في شركة كبيرة، وعانيت الكثير من أبناء بلدي الذين أغلقوا أمامي كل أبواب الترقية في العمل، وذلك بأساليبهم الدنيئة من التملق والوشايات لدى المسؤولين من أهل البلد، رغم اعتراف الجميع بكفاءتي. علماً أنني لا أنافق ولا أكذب ولا أتملق، وقد ساءت حالتي النفسية والمادية والعائلية، وأخشى حتى من أن انزلق في الكفر بنعمة الله، لأنني دعوت الله كثيراً لكن لا مجيب، رغم أنني أتحرى دائما الحلال في مأكلي وملبسي وقوت عيالي. أرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد حث الإسلام على إتقان العمل، وجعله من قيم الإسلام التي لا يقبل التنازل عنها بحال من الأحوال، وبيَّن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن إتقان العمل محبوب لله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) [ أبو يعلى (4386)، والبيهقي في الشعب (5313) ].
والعمل الذي يوكل للشخص أمانة في عنقه يجب عليه أن يؤديها؛ عملاً بقول الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أهلها } [النساء:58] وذلك بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى قد تؤثر في العمل، كمقدار الأجر أو تصرفات بعض أعضاء فريق العمل، أو نحو ذلك مما ذكره الأخ السائل.
ومن المسلمات لدى كل مسلم بأن الكذب حرام والغش حرام، وأي كسب يصل إليه الشخص عن طريق الكذب والغش فهو كسب حرام، فالغاية لا تبرر الوسيلة. وانتشار من يصلون إلى غاياتهم من خلال النفاق والتدليس والكذب والغش والنميمة والوشاية ضد العاملين لا يعتبر مبرراً للقيام بمثل أعمالهم بحال من الأحوال، فالحلال بين والحرام بين. وما تذكره من سوء حالتك النفسية بسبب ما يقوم به زملاؤك لا علاج له إلا بالإيمان بقضاء الله وقدره، والتسليم لحكمته، والعمل وبذل الجهد في إتقان العمل، والاجتهاد في بيان ما تقوم به وإظهاره أمام المسؤولين عنك. وهذا ليس من التملق أو النفاق أو الرياء، فما تقوم به من أعمال أظهرها لمدرائك، ولا تدّعي لنفسك ما لم تعمل، وابذل جهدك في ذلك، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
وما ذكرته من دعائك لله تعالى وسؤالك له لكن لا مجيب. فاحذر فهذا مدخل من مداخل الشيطان على الإنسان، بأن يقنِّط الإنسان من إجابة الله تعالى لدعائه، أو يجعله يستبطئ الإجابة، فيترك الدعاء.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ) رواه البخاري (6340) ومسلم (2735)، وعند الترمذي (3969) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ إِبِطُهُ يَسْأَلُ اللَّهَ مَسْأَلَةً إِلَّا آتَاهَا إِيَّاهُ مَا لَمْ يَعْجَلْ ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ عَجَلَتُهُ؟ قَالَ: ( يَقُولُ قَدْ سَأَلْتُ وَسَأَلْتُ وَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا ) .
وإجابة الدعاء لها صور متعددة لا تقتصر على تحقيق مسألة العبد؛ فقد تكون بإعطاء العبد ما سأل، أو أن يصرف عنه من السوء مثل ذلك، أو يدخرها الله تعالى له إلى يوم القيامة، وفي كل الأحوال الخير للعبد قائم ومتحقق. ولكن العبد دائما يستعجل ولا يعلم أن الخير دائما فيما يختاره الله تعالى له.
روى الإمام أحمد (10709) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا" قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: "اللَّهُ أَكْثَرُ".
وما تحرص عليه من الحلال سبب من أسباب الإجابة، وهو أمر واجب عليك، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أن من كان أكله من حرام وملبسه من حرام لا يستجيب الله تعالى له، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال [يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا] وقال: [يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم] ثم ذكر الرجل يطيل سفره أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له" أخرجه مسلم (1015) فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا" فقام سعد بن أبي وقاص، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به". قال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده فيه نظر. قال الألباني: (ضعيف جدا ضعيف الترغيب والترهيب– (ج 1/ص 268).
ومهما يكن من أمر فإن عليك أن تؤدي واجبك في العمل، ولا تلتفت إلى أساليب أبناء بلدك الذين وصفتهم في سؤالك، واطلب من الله تعالى العون والمدد والثبات، وادع الله أن يغير حالك في عملك وحياتك إلى أفضل حال ترضيه سبحانه.
واعلم يقينا أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وابحث عن عمل آخر إذا كنت لا تستطيع الصبر على ما أنت فيه.
نسأل الله تعالى لك الصبر والتوفيق و السداد، وأن يصلح أحوالك وأحوال إخوانك المسلمين، وأن يهدي زملاءك في العمل للبعد عن تصرفاتهم المؤذية.
البحث عن عمل في مكان آخر -إن أمكن- في حال عدم القدرة على التحمل.