الاستشارة :
لا أعرف من أين أبدأ حديثي ولكن بدون إطالة .. إذا مت على حالي هذا أخشى أن أدخل النار فماذا أعمل لكي أستحق الجنة ؟!!
فالحمد لله منذ وفاة أمي منذ سنة وأنا أصوم اثنين وخميس و13و 14 15 من كل شهر عربي وأقرأ كل صباح ما تيسر من القرآن الكريم ..
وأنصح أصحابي بالصلاة والابتعاد عن سماع الأغاني ... هذا ما أفعله .. هل هذا كافٍ لدخولي الجنة ؟!!
اعتقد أني من أهل النار .. والله أكتب والدموع بعيني خوفاً من النار .. ومن اليوم الذي أوضع به في القبر .. فهل عندكم الرد الذي يريحني مما أنا فيه !!
أرجو وضع خطة لي واعرف ماذا أفعل كي أستحق الجنة إن شاء الله !!
الإجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الأخ السائل الكريم
إن خشية الله مطلوبة من العبد بل هي منزلة عالية من منازل المؤمنين وقد وعدهم الله عليها بالمغفرة والأجر الكبير، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [ الملك : 12 ] .
وهذه الخشية هي الخشية التي تثمر عملاً صالحاً والتزاماً بأمر الله تعالى، يقول الله سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [المؤمنون : 60-61 ] .
لكن لا ينبغي أن تصل الخشية بالعبد إلى أن يقنط من رحمة الله ويحكم على نفسه بأنه من أهل النار، لأن من عقيدة المسلم أن يتعبد الله تعالى بالخوف والرجاء والمحبة، فلقد مدح الله أنبياءه فقال: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } [ الأنبياء:90 ].
ووصف نفسه سبحانه بأنه غفور رحيم وأنه شديد العقاب، { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأعراف : 167 ] وقال في سورة أخرى: { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ } [ الحجر :49-50 ] .
ودائما نجد المغفرة مقرونة بالوعيد فيقول الحق سبحانه في كتابه الكريم في مواضع عدة: { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ } وذلك حتى لا يطغى جانب الخوف على جانب الرجاء.
ولذلك شبه العلماء إيمان العبد بطائر جناحاه الخوف والرجاء ورأسه المحبة لله تعالى.
ولقد حذر الحق سبحانه من اليأس من رحمته فقال سبحانه على لسان إبراهيم: {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} [ الحجر : 56 ] وقال على لسان يعقوب: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [ يوسف : 87 ] .
كما أن الله سبحانه وتعالى فتح أبواب الرجاء في رحمته، وتقرب عباده بعموم مغفرته فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [ الزمر:53].
وعن طلحة بن عبيد الله قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خمس صلوات في اليوم والليلة) فقال هل علي غيرها؟ قال (لا؛ إلا أن تطّوع). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وصيام رمضان) قال هل علي غيره؟ قال صلى الله عليه وسلم : (لا، إلا أن تطوع) قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة قال: هل علي غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع) قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق) [رواه البخاري ومسلم].
فهذا الأعرابي وعد بالالتزام بما فرض الله عليه، ووعده النبي صلى الله عليه وسلم بالفلاح إن صدق في التزامه بما افترض الله عليه.
ومن عظمة الإيمان بالله وتوحيده أنه مانع من الخلود في النار فقد قال صلى الله عليه وسلم ذات مرة لمعاذ رضي الله عنه وهو خلفه: (يا معاذ) قال: لبيك رسول الله وسعديك. قال (يا معاذ) قال: لبيك رسول الله وسعديك. قال (يا معاذ) قال: لبيك رسول الله وسعديك. قال (ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار) قال يا رسول الله؟ أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: (إذاً يتكلوا) فأخبر بها معاذ رضي الله عنه عند موته تأثماً. [رواه البخاري ومسلم]
وكلمة التوحيد العظيمة ترجح في ميزان العبد يوم القيامة، وهي سبب لدخوله الجنة حتى مع وقوع الذنب، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم عليه ثوب أبيض ثم أتيته فإذا هو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فجلست إليه فقال: (ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة) قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: (وإن زنى وإن سرق) قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: (وإن زنى وإن سرق) ثلاثا ثم قال في الرابعة: (على رغم أنف أبي ذر) قال فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر.
وقد من الله على عباده بالتوبة والاستغفار وجعلها سبباً لمحو الذنوب والآثام، فإن التوبة تجب ما قبلها، ومن سعة رحمة الله حبه للتائبين فهم وإن كانوا مذنبين إلا أن توبتهم ورجوعهم إلى لربهم وخضوعهم له وتضرعهم إليه وطلبهم العفو منه من أعظم صور العبودية التي يحبها الله ولذا قال: { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة : 222] وقال صلى الله عليه وسلم: ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ) [رواه مسلم]